أولا: الصوفية على آثار الشيعة:
إذا سألت أي صوفي عن الأسماء السريانية المنتشرة في ورده الذي تلقاه عن شيخه، قال لك هي لغة الملائكة، وهو لا يعرف كغيره من الباطنية أن اللغة السريانية هي إحدى أهم اللهجات الآرامية التي تعد فرعا من اللغات السامية، وهي لغة الآراميين، الذين سموا أنفسهم بالسريان، بعد إعتناقهم الدين المسيحي،وتنقسم السريانية تبعا لانقسام الكنيسة المسيحية، إلى سريانية شرقية، وهي: سريانية المسيحيين التابعين لتعاليم"نسطوريس"، ويسمون بالنسطوريين، والفرع الآخر وهو الخاص بالسريانية الغربية، وهي: السريانية التابعة لتعاليم "يعقوب البردعي" ويسمون باليعاقبة، وما زالت بعض البقاع بالشام يتحدث أهلها إلى اليوم باللغة السريانية، والتي كانت معروفة في جزيرة العرب في عهد النبوة، بل لقد تلقى رسول الله عليه الصلاة والسلام بعض الرسائل باللغة السريانية، حتى أنه حثّ زيد بن ثابت على تعلّمها وإتقانها. كما ورد في الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده، حيث يقول: ﴿ قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: قال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام تُحسِنُ السريانية؟ إنها تأتيني كتب، قال: لا ، قال فتعلمها، يقول زيد فتعلمتها في سبعة عشر يوما ﴾.
ولا نعرف كيف اعتقد الباطنيون أن لغة القرآن ليس فيها ما ينشدون من الأسرار حتى يبحثوا عنها في لغة النصارى، ومن ثم أضافوا إليها خصائص باطنية، ولم يكتفوا بإدخال المفردات العربية في قوالب لغوية آرامية التركيب في أورادهم البدعية، مثل:"ناسوت، رحموت، رهبوت، لاهوت، جبروت، روحاني، نفساني ، جسماني، شعشعاني ، وحدانية، فردانية". ا هـ تاريخ التصوف الإسلامي لعبد الرحمن بدوي.
بل جعلوا ذكر الله باللغة السريانية من علوم الباطن، وينسب الشيعة إختصاص أئممتهم بهذه الفتوحات، بينما ينسبها الصوفية إلى المشايخ الكبار والأقطاب الكُمل.
والأسماء السريانية في زعمهم أسماء لله عز وجل، وتشتمل في اعتقادهم على أسرار عجيبة وخصائص باطنية، وهذه الأسماء لم يسم الله بها نفسه، ولم ينزلها في كتابه ولم يعلمها أحدا من أنبياء الله ورسله، وبالتالي لم ينقلها أحد عن الله عز وجل نقلا صحيحا متواترا، وليس في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ذكر الله عز وجل بأسماء غير عربية
فمن أين أتوا بها ؟
ومن الذي دلهم عليها ؟
وهذا ما يوضحه أثر يرويه الكليني -ثقة الشيعة الأكبر-، عن مفضل بن عمر الذي يقول:"أتيت باب أبا عبدالله ونحن نريد الإذن عليه ثم خرج إلينا فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية، فتوهمنا أنه بالسريانية، ثم بكى، فبكينا لبكائه، ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه، فقلت أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك، فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية، فتوهمنا أنه بالسريانية، ثم بكيت فبكينا لبكائك، فقال: نعم، ذكرت إلياس النبي، وكان من عباد أنبياء بني إسرايئيل، فقلت كما كان يقول في سجوده، ثم اندفع فيه بالسريانية، فلا والله ما رأينا قساً ولا جاثليقا [أي كبير القساوسة] ، أفصح لهجة منه به ، ثم فسّره لنا بالعربية". ا هـ الأصول من الكافي1-227.
فالذكر بالسريانية ميراث تزعمه الشيعة عن إلياس النبي، والقول أن إلياس والخضر على قيد الحياة قول باطل
فكيف تلقت الشيعة هذه الأسماء أمن كتب بني إسرائيل ؟
أم من مشاهدات واجتماعات روحية بين أئمتهم ونبي الله إلياس ؟
ثم كيف قبل الناس أن يعبدوا الله عز وجل بما لم يثبت عن المبعوث رحمة للعالمين، ثم ما سر تعلق الشيعة بأنبياء بني إسرائيل؟!.
إن أفكار الصوفية الغريبة التي أفتروها في دين الله عز وجل ليست من عند أنفسهم، وإنما هي من تقليد الشيعة، والشيعة على آثار اليهود يقتدون ويتنافسون، وعن آثار نبيهم يُعرِضون، والرابطة بين هذه الفرق الثلاث لايمكن تجاهلها، فالأمر واضح كالشمس في وضح النهار، لا ينكرها إلا من كان فاقدا لنعمة البصر، وإن زعم أن له عينين، وصدق الله العظيم حيث يقول: ﴿ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها﴾الأعراف-179.
يقسِّم الحكيم الترمذي (علم الباطن ﴾ فيقول:"علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف، فهذه هي أصول الحكمة، وهي الحكمة العليا، وإنما يظهر هذا العلم عن كبراء الأولياء، ويقبله عنهم من له حظ من الولاية". ا هـ الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية للدكتور عبد الفتاح بركة2-314.
ويعلق الدكتور بركة بقوله: "والترمذي الحكيم يضع علم الأسماء والحروف على قمة العلوم، مع تمييزه بين علم الأسماء وعلم الحروف، وجعله علم الحروف في منزلة أعلى من علم الأسماء، كما يضع علماء هذا العلم في قمة الخاصة من الأولياء". نفس المصدر السابق ص2-321.
[/size]
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 13.09.08 4:27 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة
أبو محمد عبدالحميد الأثري
أبو محمد عبدالحميد الأثري
المدير العام .. وفقه الله تعالى
ذكر عدد الرسائل: 3581
البلد: مصر السنية
العمل: طالب علم
شكر: 7
تاريخ التسجيل: 25/04/2008
مساهمة رقم 2
مميز رد: الأسماء السريانية عند الصوفية والشيعة: هل هي فتوحات أم إلحاد ؟
مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري في 13.09.08 4:20
[b]ثانيا: الصوفية المعاصرة والسريانية:
يشرح الدباغ كيف ظهرت حضرات الذكر في الإسلام، وذلك في كتابه الإبريز الذي يعده المشايخ من كتب الفتح الأكبر، فيقول: " إن الحضرة لم تكن في القرن الأول [ يعني قرن الصحابة ]، ولا في القرن الثاني [ يعني التابعين ] ، ولا في القرن الثالث [ يعني قرن تابع التابعين ]، وهذه القرون الثلاثة هي خير القرون، كما شهد بهذا الحديث الشريف، وإنما ظهرت في القرن الرابع ، وسبب ظهورها أن أربعة أو خمسة من أولياء الله تعالى ومن المفتوح عليهم، كان لهم أتباع وأصحاب، وكانوا رضي الله عنهم في بعض الأحيان ربما شاهدوا عباد الله من الملائكة وغيرهم، يذكرون الله تعالى، والملائكة منهم من يذكر الله بلسانه وبذاته كلها، فترى ذاته تتحرك يميناً وشمالاً، أماماً وخلفاً، فكان الولي من هؤلاء الخمسة إذا شاهد ملكاً على هذه الحالة تعجبه حالته، فتتأثر ذاته بالحال التي يشاهدها من الملك، ثم تتكيف ذاته بحركة الملك، فتتحرك ذاته كما تتحرك ذات الملك، وتحاكي [أي تقلد] ذاته ذات الملك، وهو لا شعور له بما يصدر منه لغيبته في مشاهدة الحق سبحانه، فإذا رآه اتباعه يتحرك، تبعوه، ثم هلك الأشياخ الخمسة أهل الباطن والصدق، فاستغل أهل الزي الظاهر بالحضرة، وزادوا في حركتها، وجعلوا لها آلة موسيقية، وتكلفوا لها، وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل" الإبريز لعبد العزيز الدباغ ص 261 .
ولا تخلو حكاية الشيخ من إقرار الشيخ بحقيقة خلو القرون الثلاثة الأولى من الحضرات، وفي نفس الوقت لا تخلو من سذاجة، فالحضرات منقولة عن ذكر الملائكة، وهذا جهل لا يباريه إلا رواية الشيعة عن جعفر الصادق الذي تلقى السريانية عن إلياس نبي بني إسرائيل، كي يدعو بلسانه السرياني، ويترك دعاء النبي الخاتم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، ولما كان جعفر الصادق توفي سنة 148 هـ ، فمن المرجح أن يرجع ظهور دعوى معرفة السريانية إلى منتصف القرن الثاني الهجري، وقد فتح هذا الزعم على الأمة باباً من الإلحاد في أسماء الله الحسنى لم يغلق حتى اليوم، ليس فقط عند الشيعة، ولكن عند الصوفية أيضاً.
ثم جاءت الصوفية فاختارت كل طريقة من طرقها عدد من الألفاظ ، لا يعلم أحد من أين أتوا بها، وزعموا أنها أسماء لله تبارك وتعالى، وصدق الله العظيم، حيث يقول: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) .
ومن أشهر الأسماء السريانية تداولاً بين الصوفية، هي: " طهورٌٌُ بدعقٌُُ محببه صُورهٌُ محببه سقفاطيسٌُ سقاطيمٌُ أحونٌُ أدمَّ حمَّ هاءٌُ آمين " ورد الجلالة لعبد القادر الجيلاني من كتاب الفيوضات الربانية في امآثر القادرية ص 173، ومجموع أوراد الطريقة البرهانية ص 18 – 21 ، وورد الاسم الثاني للطريقة الخلوتية العونية العيونية.
ويزعم المتصوفة أن هذه الألفاظ تلقاها أبو الحسن الشاذلي عن الملائكة مباشرة، ويشرح الدباغ كيف وصلت هذه الأسماء السريانية إلى أوراد الطريقة الدسوقية، فيقول: " قدم علينا بعض أصحابنا من أخيار تلمسان، فأخبرني أنه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول أنه زار قبر إبراهيم الدسوقي، فوقف عليه الشيخ الدسوقي [أي خرج من قبره، وكلمه في هيئة روحانية]، وعلمه هذا الدعاء: (باسم الإله الخالق الأكبر، وهو حرز مانع مما أخاف منه وأحذر، لا قدرة لمخلوق مع قدرة الخالق، يلجمه بلجام قدرته، أحمى حميثا، أطمى طميثا، وكان الله قوياً عزيزاً .... حم عسق حمايتنا، كهيعص كفايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله)
ثم قال له الدسوقي: ادع بهذا الدعاء، ولا تخف من شيء، ثم سأل شيخه عن معنى "أحمى حميثا، وأطمى طميثا" فأجابه بأنهما كلمتين سريانيتين، وأن معنى أحمى: يامالك، وحميثا: إشارة إلى مملكته، وأما قوله: أطمى، فهو بمنزلة من يصفه الله تعالى بالعظمة، والكبرياء، والقهر، والغلبة، والعز، والانفراد في ذلك كله، وطميثا: إشارة إلى الأشياء التي يتصرف فيها، وإلى الممكنات التي يفعل فيها ما يشاء، ويحكم ما يريد، سبحانه لا إله إلا هو، وفي كل من العبارتين سر عجيب لا يطيق القلم تبليغه ابداً " الإبريز للدباغ، نقلاً عن كتاب جامع كرامات الأولياء للنبهاني 1/398 .
ألا ترى أيها القارئ الكريم أن تفسير الشيخ لهذه الألفاظ باللغة العربية، لايضيف جديداً، ولذلك ترى الرجل يحيلك في آخر كلامه إلى الأسرار التي لا تقال، فيقول: وتحت هذه العبارتين سر عجيب لا يطيقه القلم، وتركز الطرق الصوفية على هذه الألفاظ بدعوة أنها من فتح الله على شيخ الطريقة، وتعاهدوها فيما بينهم، وتوارثوها شيخاً عن شيخ على أنها أسماء حسنى لله عز وجل، وإذا سألتهم عنها قالوا: هذه تلقيناها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم لا يعرفون أن هذه الأسماء من افتراء الشيعة.
ومن المشايخ من يرى هذه الأسماء بشكل آخر، فيقول أحمد بن عياد الشاذلي: "واعلم أن الأسماء التي في الأوراد ليست بلسان عوالم الملك والملكوت، ولا بلغة من لغات العالمين، وإنما هي لغة جبروتية يُذكر الله بها في روضة من رياض جبروته، وأنه قد جمع فيها علم الأولين والآخرين" المفاخر العلية في المآثر الشاذلية لأحمد عياد ص 226 .
يروي الشعراني في طبقاته عن الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري، له إسناد سرياني ومتنه بالعربي، فيقول: " ورأيته بعد موته بسنتين، فروى لي [أي مناما] حديثا سنده بالسرياني ومتنه بالعربي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أدمن النوم بعد صلاة الصبح ابتلاه الله تعالى بوجع الجنب، وفي رواية: ابتلاه الله في جنبه بالبعج" الطبقات الكبرى للشعراني 2/132 .
وهكذا أدخلت الشيعة أسماء للجن، وزعموا أنها أسماء لله عز وجل، ودعت الناس إلى الذكر بهذه الأسماء، وقبلها الناس رغم أنها ألفاظ غير عربية، ولا معنى يرجى فيها، والله تبارك وتعالى لم يخاطبنا إلا بالعربية، وهي التي اختارها لتكون لغة كتابه، ولسان نبيه، ولغة خير أمة أخرجت للناس، وحتى يروجوا لبضاعتهم نسبوا الأمر إلى العلم الباطن، وأنه من أعظم الفتوحات، ومن العجب أن تسربت هذه الحماقات إلى الصوفية من أهل السنة، فلا يكاد يخلو كتاب أوراد من أوراد الطرق الصوفية في مصر وغيرها من البلاد، إلا وهو مشحون بألفاظ غير مفهومة، مثل: "طهفلوش، برهتية، كرير ، فجش، ثظخز ..." .
وقد ناقشت كبار مشايخ الصوفية عن هذه الألفاظ، فقالوا: هي لغة تذكر بها الملائكة، يتلاقاها العارفون، وهي فتح خاص لكل عارف على حدة.
فتعالوا بنا نتدارس أوراد أشهر الطرق الصوفية في مصر، ونتتبع الأسماء السريانية المبثوثة في ثناياها.