السحر وخطره
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب الأرض والسموات ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، عظيم الخيرات وكثير البركات ، كفر السحرة والساحرات ، وتوعدهم بأشد العقوبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حذر من السحر وعده من السبع الموبقات ، عليه من ربه أفضل سلام ، وأعطر صلوات . . . أما بعد :
فإن السحر من الجرائم العظيمة ، ومن أنواع الكفر ومما يبتلى به الناس قديماً وحديثاً ، في الأمم الماضية وفي الجاهلية وفي هذه الأمة ، وعلى حسب كثرة الجهل وقلة العلم وقلة الوازع الإيماني والسلطاني - يكثر أهل السحر والشعوذة ، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم ، ولأسباب أخرى ، وعندما يظهر العلم ويكثر الإيمان ، ويقوى السلطان الإسلامي يقل هؤلاء الخبثاء وينكمشون وينتقلون من بلاد إلى بلاد لالتماس المحل الذي يروج فيه باطلهم ، ويتمكنون فيه من الشعوذة والفساد .
ولقد استطار شرر السحرة والكهنة والمشعوذين ، وعظم أمرهم وكثر خطرُهم فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم ، غير مبالين وقد توعد الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر فقد أخبر الله في كتابه العزيز أن الساحر كافر فقال : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } .
ويعتبر السحر من أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان ، وهو أذى وخطر موجه لبني الإنسان ، فهو لا يفرق بين إنسان تقي وإنسان غير تقي ، أو إنسان مؤمن أو كافر ، فالكل معرض لأذاه . ولكن ينعم الله عز وجل ويحمي من يشاء من خلقه ، لأن الله هو الضار والنافع والمعز والمذل والمحيي والمميت ، لا راد لقدره وقضائه فهو القادر والقاهر فوق عباده يفعل ما يشاء ويختار .
تعريف السحر :
لغة : ما لطف وخفي سببه . ومنه سمي آخر الليل سَحَراً .
السحر سمي سحراً لأن أسبابه خفية ، ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التخييل على الناس والتلبيس عليهم ، والتزوير على عيونهم ، وإدخال الضرر عليهم وسلب أموالهم إلى غير ذلك ، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب ولهذا يسمى آخر الليل سحراً ، لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم ، ويقال للرئة سحر ، لأنها في داخل الجسم وخفية .
شرعاً : عقد ورقى وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر بإذن الله في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له .
فما يتعاطاه السحرة من قبيل التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة ، كما قال الله سبحانه عن سحرة فرعون : ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) طه/ 65 - 69 وقد يكون السحر من أشياء يفعلها السحرة مع عقد ينفثون فيها كما قال سبحانه ( ومن شر النفاثات في العقد ) الفلق/4 وقد يكون من أعمال أخرى يتوصلون إليها من طريق الشياطين فيعملون أعمالاً قد تغير عقل الإنسان ، وقد تسبب مرضاً له ، وقد تسبب تفريقاً بينه وبين زوجته فتقبح عنده ، ويقبح منظرها فيكرهها وهكذا هي قد يعمل معها الساحر ما يبغض زوجها إليها ، وينفرها من زوجها وهو كفر صريح بنص القرآن ، حيث قال عز وجل : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) البقرة /102 , فأخبر سبحانه عن كفرهم بتعليمهم الناس السحر ، وقال بعدها : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) البقرة/102 ثم قال سبحانه : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة/102 ، يعني هذا السحر وما يقع منه من الشر كله بقدر سابق بمشيئة الله ، فربنا جل وعلا لا يُغلب ولا يقع في ملكه ما لا يريد ، بل لا يقع شيء في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بقدر سابق ، لحكمة بالغة شاءها سبحانه وتعالى ، فقد يُبتلى هؤلاء بالسحر ، ويُبتلى هؤلاء بالمرض ، ويبتلى هؤلاء بالقتل ... إلى غير ذلك ، لله الحكمة البالغة فيما يقضي ويقدر ، وفيما يشرعه سبحانه لعباده ، ولهذا قال سبحانه : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة/102 يعني بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي ، فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك ، لكن بالإذن القدري الذي مضى به علم الله وقدره السابق أن يقع من فلان السحر ، ويقع من فلانة ، ويقع على فلان وعلى فلانة ، كما مضى قدره .
أقسام السحر :
ينقسم السحر من حيث فعل الساحر والجني إلى قسمين رئيسيين :
القسم الأول : ( القاعدة ) :
فالقاعدة هي العمل الذي يسقى أو يؤكل عن طريق الفم ويصل أثره إلى المعدة ثم من خلالها إلى باقي الجسم . أو العمل الذي يرّش على الأرض في المنطقة التي يمر منها المسحور ، وهي في الغالب ما تكون عتبات البيوت أو أعتاب المحلات أو ما شابه ذلك ، أو يدفن في التراب ، أو يرمى في ماء جار ، أو ما شابه ذلك .
القسم الثاني : ( الخادم ) :
وهو من شياطين الجن ، ينفذ تضاريس السحر الموجودة على القاعدة ، ويتوكل بها ، ويكون الأمر لكبار الشياطين حلفاء وأولياء الساحر . وكبار الشياطين من الجن هم خدام الطلاسم والأسماء الشيطانية ، فيأمرون الخادم فينفذ ما أمره به الساحر من سحر . مثال على ذلك : يقرأ الساحر عزيمته الشيطانية أو يكتب طلاسمه ثم يقوم بالتوكيل بقوله : توكلوا يا خدام هذه الطلاسم أو العزائم بالتفريق ما بين فلان ابن فلانة ، وفلانة بنت فلانة ، فتقوم الخدام بالخدمة فيبدأ السحر وتبدأ معاناة المسحور .
أنواع السحر :
يقول أهل العلم أن للسحر أنواعاً عديدة سنذكرها بإذن الله تعالى حتى يتسنى للمسلم الصادق معرفتها ، ومن ثم الحذر منها بنفسه ، وتحذير غيره منها ، لأنها سبب في الوقوع في ظلمات الكفر ، وغياهب الشرك ، وفيها بعد عن الله تعالى ، وتكذيب له ، وتصديق للشيطان وأعوانه ، فمن أنواع السحر ما يلي :
النوع الأول / ما يستخدمه الساحر :
وهذا النوع ينقسم إلى عدة أنواع :
أولاً / السحر التخيلي ( التخييلي ) :
وليس له حقيقة ، وإنما هو خيال وشعوذة ، وهو ما يسمى بالقُمْرَة ، فالساحر يخيل للناس شيئاً وهو ليس حقيقة ، كأن يخيل للناس أنه دخل النار ، وأنه يمشي على حبل ، كالذي يحصل في السيرك ، أو يخيل للناس أن السيارة تمشي على بطنه ، أو يطعن نفسه بسيف ، أو يثني الحديد برقبته أو بعينه ، فكل ذلك من السحر التخيلي ، والذي يتم بمساعدة الجن ، قال تعالى في قصة موسى عليه السلام وسحرة فرعون : " قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " ، وقال تعالى : " قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " . فسحرهم هذا يكون بالزئبق ومواد لا يراها الناس ، فيظنون أنها تتحرك .
ثانياً / السحر الحقيقي :
وينقسم إلى عدة أقسام منها :
1- الرقى : وهي الرقى الغير شرعية ، بل هي قراءات وطلاسم شركية يتوصل بها الساحر إلى إرضاء الجان ، ولا يتم له ذلك إلا بالكفر بالله تعالى ، فهذا النوع كفر صريح . لكن قد تكون الرقية شرعية وذلك بأن تكون من القرآن والسنة بشروطها الثلاثة التي سنذكرها بعد قليل إن شاء الله ، ولهذا جاء عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : " اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " [ أخرجه مسلم ] .
2- أدوية وعقاقير : وهي تؤثر في بدن المسحور وعقله وإرادته وميله ، ومنه الصرف والعطف ، فالصرف : التفريق بين المرء وزوجه ، أو الإنسان وصديقه أو ما شابه ذلك . أما العطف : فهو التوفيق بين المرء وزوجه ، أو استجلاب محبة بعض الناس بقصد ابتزازهم ، أو فعل ما حرم الله تعالى بهم ، كمن يعطف قلب امرأة إليه لفعل الفاحشة بها . وهذا النوع فسق وظلم وعدوان ، وهو محرم لكن لا يكفر صاحبه ، إلا إذا استخدم الجان والشياطين ، وفعل مع ذلك مكفراً من المكفرات . كأن يذبح لغير الله ، أو يدعو غير الله ، أو يقتل مسلماً ، أو غير ذلك من أسباب الكفر .
3- علم التنجيم : وهو أنواع فمن أعظمها ما يفعله عبدة النجوم ويعتقدونه في السبعة السيارة وغيرها ، فقد بنوا بيوتاً لأجلها ، وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم ، وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها .
ومنها النظر في حركات الأفلاك ، ودورانها وطلوعها وغروبها ، واقترانها وافتراقها ، معتقدين أن لكل نجم منها تأثير على حركاته منفرداً ، يعني لا دخل لله في ذلك و العياذ بالله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، ويعتقدون أن للنجوم تأثيرات عند اقترانها وافتراقها ، ويستدلون بذلك على الحوادث الأرضية ، فيقولون مثلاً : إذا اقترن النجم الفلاني بالنجم الفلاني سيحدث كذا وكذا ، ويستدلون بولادة الإنسان في نجم معين أنه يكون سعيداً أو شقياً ، أو يقولون إذا طلع النجم الفلاني هل المطر ، أو إذا هبت الريح ظهر النجم الفلاني ، وهذا خطأ فادح ، فالنجوم لا علاقة لها بمثل تلك الأمور ، بل كل ذلك بقدر الله ومشيئته ، وكل الحوادث الأرضية من عند الله ، لا دخل لأحد من المخلوقات فيها ، فهي فوق تصور المخلوق وطاقته ، ولهذا جاء في حديث زيد بن خالد الجهني في غزوة الحديبية ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على إثر سماء من الليل ، فقال : " قال الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فمن قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا ، فإنه كافر بي مؤمن بالكواكب ، ومن قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب " [ أخرجه مسلم ] ، ويقصدون بقوله : مطرنا بنوء كذا وكذا : أي أن السبب في المطر هو النجم الفلاني أو الكوكب الفلاني ، فهذا كفر بالله تعالى . وكم رأينا من فصول تسقط فيها المطر ومع ذلك لم يسقط فيها المطر ، فكل ذلك بقدر الله تعالى .
لكن صحيح أن بعض الأوقات والفصول يكون فيها ريح ومطر ، لكن ذلك بقدر الله تعالى ، وليس للكوكب دخل في وجود المطر أو الريح . وقد يستدل بالنجوم على القبلة أو الجهات الأربع أو فصول السنة المختلفة وهذا الأمر لا بأس به بل قد يكون واجباً تعلمه ، وخصوصاً إذا كان للناس حاجة إليه كتعلم أماكن القبلة حتى تؤدى الصلاة باتجاه القبلة ، قال تعالى : " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " فالنجوم يُستدل بها على الأزمان وما شابه ذلك ، فهذا الأمر لا بأس به . أما إذا أُستُدل بها على الحوادث الأرضية فهذا حرام باطل ، فالأحوال الفلكية لا تأثير لها البتة على الحوادث الأرضية ، ومن اعتقد ذلك فقد كفر بالله تعالى .
4- العُقَد : قال تعالى : " ومن شر النفاثات في العقد " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عقد عقدة ، ثم نفث فيها ، فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئاً وكل إليه " [ أخرجه النسائي ] ، عن زيد بن أرقم ، قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، فاشتكى لذلك أياماً : فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجوها ، فجيء بها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ، ولا رآه في وجهه قط . [ أخرجه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد 3 / 98 ] . فمن عقد ونفث بقصد السحر فهو حرام ، أما من عقد ونفث في العقدة بعض الريق بقصد أن تتماسك العقدة فهذا لا بأس به . وقوله صلى الله عليه وسلم : " وكل إليه " يعني جعل هذا الشيء الذي تعلق به عماداً له ، ووكله الله إليه ، وتخلى الله عنه . فمن الناس من إذا سُحر ذهب إلى السحرة وتعلق بهم ، ولا يُرقي نفسه بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يذهب للأدوية المباحة ، والأدعية المشروعة ، ولو أنه توكل على الله حق التوكل ، لكفاه كل ما يصيبه ، قال تعالى : " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " ومن كان الله حسبه كفاه كل ما يهمه ، ومن كان الله حسبه فلن يضيعه ، لكن من توكل على غير الله فسوف يتخلى الله عنه ويتركه وما تعلق به ، ولسوف يندم ويخسر خسارة كبيرة وعظيمة ، ومن أعظم ذلك خسارة الدين ، لأن التوكل على غير الله ينافي التوحيد والعقيدة الصادقة الصافية الصحيحة . قال تعالى : " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون " وقال تعالى : " والذين تدعون من دونه لا يملكون من قطمير * إن الذين تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير " . قال ابن كثير رحمه الله : القطمير : هو اللفافة الرقيقة التي تكون على نواة التمرة .
5- العزائم : جمع عزيمة ، وهي من الرقى التي كانوا يعزمون بها على الجن ، وزعموا أنها أسماء لملائكة وكلهم سليمان عليه السلام بقبائل الجان ، فإذا أقسم على صاحب الاسم ألزم الجن بما يريد ، وهذا كفر وضلالة ، وخداع ومكر ، يمكرون به على عباد الله ليبتزوا أموالهم . فسليمان عليه السلام لم يكن ساحراً وما تعلم السحر ، بل كذبوا عليه وافتروا عليه افتراءات هو وأبيه داود عليهما السلام ، قال تعالى : " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " ، فالله تبارك وتعالى سخر الجن لخدمته ، لا ليعلم الغيب أو يضر الناس أو يستخدمهم في أمور الشر وما شابه ذلك ، بل كان ذلك منة من الله عليه ، قال تعالى : " ولسليمان الريح غدوها شهر وراحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير " ، وقال تعالى : " ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين " فالله تعالى سخر لنبيه سليمان الجن منهم من يغوص في الماء ليستخرج اللآلئ ، ومنهم من يعمل غير ذلك من الأعمال ، قال تعالى : " والشياطين كل بناءٍ وغواص " ، فكل منهم له عمله الموكل به ، ومع ذلك فهم لا يعصون سليمان عليه السلام بأمر من ربهم سبحانه وتعالى ، والله يحفظه في كل ذلك من أن يصيبوه بأذى ، أو يمسوه بسوء ، فكلهم في قبضته وتحت قهره ، ولا يتجاسر أحد منهم على القرب منه ، بل هو يحكم فيهم كيف شاء ، فيطلق بعضهم ، ويحبس البعض الآخر ، قال تعالى : " وآخرين مقرنين في الأصفاد " .
6- النميمة : وهي من أنواع السحر المجازي ، لأن بها يُفرق بين الأحبة ، ويُفرق بين الأسر ، ولهذا أوردها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ضمن أنواع السحر في كتاب التوحيد ، وأورد حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا هل أنبئكم ما العَضْه ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس " [ أخرجه مسلم ] . ومعنى الحديث : أي أتدرون ما السحر ، والعضه هي السحر ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر السحر في النميمة تحذيراً منها . ثم قال : هي النميمة .
فالنميمة تقطع أواصر المحبة بين الناس ، وتقطع وشائج الصلة بين الأهل والجيران ، وهي من كبائر الذنوب ، وهي سبب للعذاب في القبر ، ومن أسباب حرمان دخول الجنة ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان ، أحدهما كان يمشي بالنميمة " [ متفق عليه ] ، وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قتات " [ متفق عليه ] ، وفي رواية مسلم : " لا يدخل الجنة نمام " ، فالنميمة سبب لإفساد المجتمعات ، وتدمير البيوتات ، فهي كالسحر من حيث التفريق بين الناس ، ففيها تفريق ، كما أن السحر فيه تفريق ، والنميمة ليست سحراً في الحقيقة ، ولكن من باب اللغة ، وهذه هي مناسبة ذكر النميمة في باب السحر .
فمن أنواع السحر ما هو شرك ، ومنها ما هو من كبائر الذنوب ، ومنها ما هو دون ذلك ، ومنها ما هو جائز على حسب ما يقصد به وعلى حسب تأثير وآثاره ، كالبيان فقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن من البيان لسحراً " [ أخرجه البخاري ومسلم ] والبيان هو الفصاحة والبلاغة ولهذا قال تعالى : " خلق الإنسان * علمه البيان " ، فمن الناس من يكون فصيحاً لكن في الباطل ، فيضل الناس بكلامه عن سبيل الله فهذا حرام لا يجوز ، أما إن كان فصيحاً بليغاً ويدعو إلى الله تعالى ، فهذا جائز ولا ريب . والبيان نعمة من الله تعالى على الإنسان فيجب أن يسخر في طاعة الله تعالى .
النوع الثاني / ما يتعلق بالمسحور :
لما أحب الناس الدنيا وكرهوا الآخرة ، دبت الكراهية بين الناس ، وساد الحقد والغل وحب الذات ، وانتشر الحسد ، فأصبح الواحد يبحث عن وسيلة يؤذي بها الآخر دون أن يعرف لأنه يخاف من عقاب الناس ولا يخاف من عقاب الله فبمبلغ بسيط يستطيع شيطان من شياطين الإنس